Tuesday 15 February 2011

شباب الرواية والرؤية عبير إسبر ـــ خيري الذهبي

شباب الرواية والرؤية عبير إسبر ـــ خيري الذهبي

بعض النصوص الروائية تفتنك حال قراءتها ليس لندرة أحداثها, ولا لجمال شخصياتها, ولا لإبهار معمارها, وإنما لنضرة التناول, وطزاجة التعامل, وعفرتة اللغة الشابة الجديدة غير المثقلة بالقواعد والتقاليد والجزالة, والعتق, وربما كان هذا أول ما لفت نظري في رواية الكاتبة الشابة عبير أسبر المسماة (لولو) والحائزة على الجائزة الأولى للرواية في مسابقة وزارة الثقافة.‏

لولو, وتكاد تمسك بمفاتيحها من اسمها هذا غير المألوف في الرواية السورية التي عودتنا فيها التقاليد القائمة على الجزالة اللغوية والقضايا الكبرى, والنضّال لتحقيق أشياء خارجة عن عالم الجمال ـ الأدب, الداخلة في عالم التعبوية السياسية.‏

ولولو هو اسم لبطل الرواية خالد الذي يفاجأ بالمجموعة المصرية القادمة لتصوير فيلم عن فلسطين والتي تعثر على موقعها التصويري في قريته المسماة الحصن, ولا أعرف إن كان هناك قرية سورية اسمها الحصن إلا إن كانت المنسوبة إلى قلعة الحصن, أو حصن الأكراد أو الكراك ديه شيفا لييه في اسمها الأوربي.‏

المهم خالد هذا الشاب الغارق في حب ابنة قريته وردة والراسب في الثانوية وغير المكترث كثيراً للعلم إذا به يصطدم بعالم آخر مختلف, إنه عالم العاملين في السينما, وقراءاتهم للعالم وللشخوص, وللحياة وللأدب, وحريتهم في الحركة والفهم والحب, والحياة, والحركة في صدامه الجديد مع عالم القرية السكوني, الملتصق بالطبيعة, زراعة حصاد, رعي دواب, حب يؤدي إلى زواج, فإنجاب, فاستمرار لدورة الطبيعة.‏

يختار جماعة الفيلم أرضاً لأهل خالد ويجعلونها موقعاً للتصوير ويصبح خالد الذي سيسمونه لولو دليلهم ومعرّفهم ووسيطهم إلى القرية ويصبحون دليله إلى قراءة أخرى للحياة, ومغامراتها وخروجها عن المألوف والطبيعي ـ من الطبيعة ـ‏

تقول ريم لخالد الذي يتدله في حبها, ويتخلى من أجلها عن وردة التي وشم اسمها على ذراعه على قلب وسهم وكلمة وردة إلى الأبد: اعرف نفسك تكتبها له بعدة لغات, ويحاول خالد الذي غيرت مجموعة السينما من مفاهيمه ورؤيته للحياة أن يعرف نفسه حسب ما طلبت منه ريم التي تقدم نفسها له بقولها: عمري 35 سنة, حاول تنسى الرقم ده يا لولو, ضحكت ممازحة إياه من إحدى الانقشاعات النادرة في مزاجها المعتل, خمسة وثلاثون عاماً.‏

تصغر أمه بأربع سنوات, وتكبر وردة ـ وردة وشم إلى الأبد ـ بعشرين عاماً... ثم تكمل: ما بحبس الجواز, رجاله من غير جواز أحلى.‏

هذا الاصطدام بالمفاهيم, والاصطدام باللغة, فالمجموعة السينمائية مصريون, يتحدثون طيلة الوقت باللهجة المصرية التي سيتحول خالد إلى مجاراتهم بالحديث بها.‏

هذا اللعبة اللغوية في الانتقال من الفصحى الخفيفة, إلى المصرية, إلى السورية... هذه الطراوة في التعامل مع الحدث, ومع الشخصيات ومع الحوادث الكبرى, قضية فلسطين, الأميركيون والعراق, الإشكالات السياسية المعاصرة إلى آخره.. كل ذلك في رواية صغيرة مما يسمى بالنوفيلا, فالرواية كلها لا تتجاوز العشرين ألف كلمة.‏

ينتهي تصوير مشاهد الفيلم, يرحل الطاقم, يبقى خالد وعليه أن يتابع حياة ريفية سكونية لم يعد من الممكن تحملها والقبول بها وهكذا يصبح عليه أن يكمل تعليمه, وأن يرحل إلى دمشق, وأن يبدأ ـ كما يعتقد تشكيل حياته من جديد.‏

في رواية عبير إسبر هذه التي فازت بالجائزة الأولى والتي لم يحاول النقد إضاءتها واحدة أخرى من مشاكل الحياة الأدبية في سورية والتي أعتقد أن الأوان قد آن للتخلص منها وإعادة الحياة الطبيعية إلى الأدب بعيداً عن الشللية تحت أي اسم كان.‏

رواية لم تحاول لبس ثوب أكثر فضفضة من مقاس جسم كاتبتها لم تحاول الصراخ بعيوب أعلى من حنجرة كاتبة شابة جداً, لم تحاول التمحك بالقضايا الكبرى معبراً لتمرير نصها.... بل كان أجمل ما لفت نظري فيها إخلاصها لعمرها, لقضايا جيلها, وللغة جيلها الشاب....

No comments:

Post a Comment